سحر هايد بارك على ظهر حصان: رحلة عبر أربعة قرون من التاريخ

إن لندن هي مدينة ساحرة تجمع بين ماضيها الملكي العريق وحداثتها المتسارعة، لذا فهي تمنح زوارها فرصة نادرة لاستكشافها من زاوية مختلفة تماماً. بعيداً عن صور ساعة بيغ بن أو ساحة قصر باكنغهام، يجد الزائر تجربة غامرة تقوده عبر مسارات هايد بارك على ظهر حصان، حيث يتلاشى ضجيج العاصمة خلفه، وتتحول الحديقة إلى نافذة مفتوحة على التاريخ.

من أرض الصيد إلى متنفس عام:

في عام 1637 فتح الملك تشارلز الأول مساحات هايد بارك أمام العامة بعد أن كانت سابقاً حكراً على صيد الملوك والنبلاء. منذ ذلك الحين، ارتبطت هذه الحديقة بتاريخ لندن السياسي والاجتماعي. وقد شهدت أحداثاً مفصلية مثل تأسيس ركن الخطباء ومعرض لندن الكبير عام 1851، ومنافسات الترياثلون خلال أولمبياد  2012. ورغم تبدل هذه المشاهد والأنشطة، ظلت الخيول حاضرة في قلب هذا المكان كجزء لا يتجزأ من هوية العاصمة.

“روتن رو” طريق الملك والبريق الاجتماعي:

أحد أبرز معالم الحديقة هو مسار روتن رو الذي شُيّد عام 1690 ليكون طريقاً آمناً يربط بين قصر كنسينغتون بقصر سانت جيمس. حيث زُوّد الطريق حينها بثلاثمئة مصباح زيتي ليصبح لذلك أول طريق مضاء صناعياً في لندن. وعلى هذا الممر، اصطف النبلاء والأرستقراطيون في موكب يومي، يستعرضون فيه عرباتهم وخيولهم أمام جمهور المدينة. وقد تحول روتن رو مع مرور الزمن والوقت إلى رمز للفروسية الحضرية، وهو لا يزال حتى يومنا هذا المسار الأهم لركوب الخيل في هايد بارك.

الخيول في خدمة التاج الملكي:

في جنوب الحديقة تقف ثكنات هايد بارك شاهدة على العلاقة الوثيقة ما بين الخيل والبلاط الملكي. هذا المبنى الضخم يضم مئات الخيول التابعة لسلاح الفرسان الملكي، ويستضيف تدريباتهم اليومية التي تبدأ مع ساعات الفجر الأولى. حيث يتوزع الفرسان بين مهام ceremonial مثل المواكب الرسمية وعربات البلاط، ومهام عملية كدوريات شرطة الخيالة. هذه الصورة اليومية تمنح هايد بارك بعداً خاصاً، حيث تتقاطع حياة المدينة الحديثة مع تراث ملكي لا يزال حياً ومستمراً.

اختبار الخيول في مواجهة ضجيج لندن المفاجئ:

عند دخول المسارات الداخلية، يمر الفارس بجسر سيربنتاين المطل على البحيرة التي تحمل الاسم نفسه، حيث تتلألأ قوارب التجديف على سطح الماء. والأشجار الكثيفة والمقاهي المحاذية تضفي جواً من الشاعرية، بينما تظل الخيول وهي ماضية بهدوء في طريقها غير متأثرة برنين أجراس الدراجات أو ضوضاء المدينة القريبة. يؤكد المدربون أن كل حصان يخضع لاختبار حقيقي في مواجهة ضجيج لندن المفاجئ قبل اعتماده للجولات العامة.

رائحة الخيل تختلط مع ملامح بيوت حجرية صغيرة:

بعد انتهاء الجولة، يعود الفرسان إلى إسطبلات هايد بارك في زقاق باثورست ميوز، حيث تختلط رائحة الخيل مع ملامح بيوت حجرية صغيرة. هذه الأزقة كانت قد شُيّدت بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر لإيواء الخيول والعربات، قبل أن تتحول تدريجياً إلى عقارات سكنية فاخرة تحتفظ بذكريات ماضيها. حيث أن زقاق باثورست ميوز تحديداً حافظ على طابعه الأصيل، إذ لا تزال الخيول جزءاً من تفاصيله اليومية، وهو ما يميزه عن غيره من الأزقة اللندنية.

تجربة حية لزوار العاصمة:

الجولات في هايد بارك ليست حكراً على المحترفين، بل هي تشمل المبتدئين والأطفال كذلك مع توفير تدريب مبدئي يضمن السلامة والاستمتاع. حيث تبدأ التجربة عادة بتوجيهات من المدرب حول كيفية الجلوس والتوازن والتحكم في اللجام. ثم ينطلق الفارس ضمن مجموعة صغيرة على طول روتن رو والطرق الداخلية، ليعيش مزيجاً من المشهد الطبيعي والسياق التاريخي. فبعض الجولات تمتد إلى ساعة كاملة، تمنح الزائر فرصة فريدة للتأمل بعيداً عن زحام الشوارع.

بين الماضي والحاضر يبرز معنى الفروسية في لندن:

ما يجعل ركوب الخيل في هايد بارك تجربة مميزة هو هذا التلاقي بين تراث متجذر وحياة حضرية نابضة. فالخيل ليست عنصراً تزيينيا، بل شريكاً حياً في المشهد اللندني منذ قرون. من ثكنات الفرسان الملكية إلى مسارات روتن رو، ومن الأزقة القديمة إلى بحيرة سيربنتاين، تتجسد علاقة المدينة بالخيل في صورة متكاملة. لهذا السبب، تبقى الجولة على ظهر حصان في هايد بارك أكثر من نشاط ترفيهي، بل رحلة عبر أربعة قرون من تاريخ لندن الحي.

باختصار، يقدّم ركوب الخيل في هايد بارك تجربة تتجاوز حدود الترفيه، إذ أنه يجمع بين سحر الطبيعة، وملامح التاريخ الملكي، وروح الحياة العصرية في قلب لندن. هنا، يكتشف الزائر أن الخيل ليست مجرد وسيلة تنقل، بل هي رمز حي لعلاقة المدينة بجذورها الممتدة عبر القرون.

المصادر:

موقع Wikipedia

وكالة الأنباء الألمانية

دليلك لشراء السرج المثالي لحصانك

حصان يحرج ترامب خلال استقباله في بريطانيا

جودلفين يحصد لقب أفضل مالك ومربٍ للخيول في الولايات المتحدة

كيف تساهم الخيول في صمود غزة بوجه الحصار والإبادة؟

ميدان سباقات نجران يدشّن الموسم 1447هـ برعاية أمير المنطقة

الطائف تختتم موسم السباقات بالحفل العشرين وسط منافسات قوية

من مضمامير السباق إلى عنان السماء: الخطوط السعودية تدعم الفروسية