الواضح أن روما تقرر أن تنظر إلى الأمام وتفكر في أن تنهي زمن عربات الخيول في روما حيث هناك جدل متصاعد حولها ومطالب بإنهاء تقليد “البوتيسيل”.
فعلى الرغم من أنه لطالما كانت عربات الخيول في شوارع روما رمزًا للجاذبية الكلاسيكية والعراقة السياحية. يعرف هذا التقليد باسم “البوتيسيل” (Botticelle)، حيث كان يظهر في كتيبات السفر وصور الزفاف والمشاهد السينمائية. لكنها لم تعد ترى بعين الإعجاب فقط، بل أصبحت محط جدل أخلاقي وبيئي متصاعد، خاصة في ظل تزايد الوعي بحقوق الحيوانات والحاجة إلى تحديث البنية الحضرية.
خلال السنوات الأخيرة، تكررت الحوادث التي تؤكد هشاشة هذا التقليد. خيول تنهار في الشوارع، أو تتعرض لحوادث مروعة، وكلها تحت أنظار السائحين والمواطنين. هذه المشاهد دفعت نشطاء حقوق الحيوان لتجديد دعواتهم لإلغاء “البوتيسيل” نهائيًا، بدلاً من الاكتفاء بتعديلات محدودة لا تُنهي جوهر المشكلة.
معاناة الخيول خلف الرومانسية السياحية:
رغم أن “البوتيسيل” تُقدَّم كسمة تراثية رومانسية، إلا أن واقع الخيول مختلف تمامًا. تعمل الخيول لساعات طويلة، تحت أشعة الشمس الحارقة، وعلى طرقات مرصوفة بالحجارة القديمة وغير المستوية. روما مدينة مكتظة وصاخبة، ويصعب على الحيوانات تحمل الضجيج والضغط المستمر.
الخيول بطبعها حساسة وسريعة التأثر. السير وسط الزحام المروري، مع سماع أبواق السيارات وصياح السائقين، يسبب لها توترًا شديدًا قد يؤدي إلى إصابات أو انهيار. هذه الظروف لا تصلح لأن تكون بيئة عمل لأي حيوان، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالسياحة والترفيه.
حوادث موثقة تسلط الضوء على الأزمة:
وقعت حوادث عديدة في شوارع روما تؤكد خطورة استمرار هذا التقليد. في عام 2019، سقط حصان على طريق “فيا كوندوتي” بعد انزلاقه على غطاء فتحة مجاري. تجاهل السائق طلبات المارة بنقل الحصان لتلقي العلاج، ما أثار موجة غضب شعبي وحقوقي واسعة.
وفي عام 2014، انهار حصان آخر على مقربة من شارع “فيا ديل كورسو”، أحد أكثر الشوارع ازدحامًا في المدينة. أما في عام 2012، فشهدت المدينة حادثة شهيرة انهار خلالها حصان بسبب الإجهاد الحراري، بعد أن اضطر لسحب عربة تحمل ستة سائحين في درجة حرارة قاربت 40 مئوية. حاول السائق وقتها إجبار الحصان على النهوض، حتى تدخلت الشرطة.
العام الماضي، اصطدمت سيارة خاصة بحصان يجر عربة بالقرب من المنتدى الروماني، ما تسبب في إصابة الحيوان بشكل بالغ. تعود أخطر الحوادث إلى عام 2008، حين نفق حصان يُدعى “بيريلو” بعد أن دهسته شاحنة قرب الكولوسيوم. هذه الحوادث لا تُعد فردية، بل تشير إلى نمط متكرر من الإهمال والمعاناة.
التقاليد في مواجهة التغيرات المجتمعية:
المدافعون عن استمرار عربات الخيول يبررون موقفهم بالتمسك بالتقاليد. لكن التقاليد، مهما كانت قديمة، يجب أن تتماشى مع قيم العصر الحديث. لا يمكن تبرير معاناة الكائنات الحية بحجة الحفاظ على طابع المدينة.
روما، مثل العديد من المدن الكبرى، تخضع لتحولات حضرية كبرى تشمل تقليل الازدحام، وتحسين النقل العام، وتشجيع استخدام الدراجات وتقليل الانبعاثات الكربونية. وجود عربات الخيول يعوق هذه الجهود ويضيف عبئًا مروريًا وصحيًا لا مبرر له.
عربات “البوتيسيل” تسير ببطء، وتغلق التقاطعات الحيوية، وتشكل خطرًا على المارة وسائقي الدراجات. وفي وقت تتجه فيه المدن إلى وسائل نقل ذكية ومستدامة، تبقى هذه العربات علامة على التناقض الحضري وليس التراث.
تدابير بلدية غير كافية:
أصدرت بلدية روما عدة قرارات لتخفيف العبء عن الخيول. شملت هذه القرارات حظر العمل في فترات الظهيرة خلال الصيف، وتقليص عدد ساعات العمل اليومية إلى ست ساعات كحد أقصى. كما اقترح البعض نقل العربات إلى المتنزهات العامة بدلاً من شوارع المدينة.
لكن هذه الإجراءات تبقى جزئية، ولا تمس لبّ المشكلة. لا يكفي تغيير مكان عمل الخيول إذا كان المبدأ الأساسي، أي استخدامها للسياحة، لا يزال قائمًا. القوانين لا تُطبَّق بصرامة، والرقابة ضعيفة، ما يسمح باستمرار الانتهاكات بحق هذه الحيوانات.
حلول حديثة تراعي التراث والرحمة:
مدن أوروبية عديدة سبقت روما في هذا المجال. برشلونة وبروكسل، على سبيل المثال، حظرتا عربات الخيول في الشوارع، واستبدلتاها بعربات كهربائية صديقة للبيئة تحاكي الشكل التراثي دون الحاجة لاستغلال الحيوانات.
تعمل روما على دراسة مقترحات مماثلة، وقد طرحت خططًا لاستبدال “البوتيسيل” بمركبات كهربائية. هذه المركبات تُوفِّر التجربة السياحية ذاتها، دون الإضرار بالحيوانات أو عرقلة حركة المدينة. الحلول موجودة، وتنتظر فقط الإرادة السياسية والتصميم المجتمعي.
مستقبل سائقي العربات في الخطة البديلة:
من المهم أن تشمل خطة التحول دعم سائقي عربات “البوتيسيل”، لأن كثيرين منهم يعتمدون على هذا العمل كمصدر رزق أساسي. يمكن تحويل رخصهم إلى رخص لقيادة مركبات كهربائية سياحية أو سيارات أجرة، مما يضمن انتقالًا سلسًا دون إضرار بالطبقة العاملة.
بلدية روما فتحت بالفعل باب التحول الطوعي من عربات الخيول إلى وسائل نقل أخرى. هذا التوجه يحمي السائقين، ويحافظ على شكل المدينة السياحي، ويحترم حقوق الحيوان في آنٍ معًا.
فرصة إنسانية وتاريخية لروما:
روما ليست مجرد متحف مفتوح، بل هي مدينة حية تتطور وتتغير. حماية التراث لا تعني التمسك الأعمى بممارسات تجاوزها الزمن. يمكن للمدينة أن تقود نموذجًا عالميًا في التوازن بين الجاذبية السياحية والرحمة والمسؤولية.
إنهاء “البوتيسيل” في شوارع روما ليس حربًا على التاريخ، بل خطوة شجاعة نحو التقدم. رسالة إلى العالم بأن روما تحترم تراثها، دون أن تغفل عن كرامة المخلوقات التي تعيش فيها.
مصادر :
Wanted in Rome – https://www.wantedinrome.com
Rome City Council – قرارات بلدية روما
تقارير المنظمات الإيطالية لحماية الحيوان مثل LAV وENPA
تحذير خطير لمربي الخيول: نبات سام كاد أن يودي بحياة فرس نادرة
مرابط الخيول وجهات ترفيهية تجمع بين الفروسية والطبيعة
فن قفز الحواجز: ما هي قواعد أداء الخيول والفرسان؟
أمير القصيم يحتفي بفرسان وفارسات المنطقة بعد تحقيقهم 72 إنجازًا محليًا ودوليًا
Leave a Reply