الفروسية في فلسطين خيول تصمد وأندية تبحث عن البقاء

تملك فلسطين إرثاً طويلاً مع الفروسية و الخيول العربية، حيث تحتفظ الفروسية بمكانة خاصة بها في الثقافة المحلية. وقد ظهرت خلال العقدين الأخيرين مزارع تربية ومراكز تدريب أقامت مسابقات محلية، خصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة. حيث تشير تغطيات صحفية إلى أنّ الضفة تحتضن قرابة ألفي فرس عربي أصيل مسجل، وهو رقم يعكس توسعاً ملحوظاً في برامج التربية خلال السنوات الأخيرة. كما تُشير هذه المعطيات إلى نشاط يتجاوز الطابع الترفيهي، ليتحول إلى قطاع رياضي وثقافي يحتمل النمو رغم التحديات.

الانضمام للاتحاد الدولي للفروسية:

الاتحاد الفلسطيني للفروسية
الاتحاد الفلسطيني للفروسية

يرتبط المشهد الفلسطيني بالمنظومة الدولية عبر الاتحاد الفلسطيني للفروسية بوصفه الجهة الرسمية المنضوية في منظومة الاتحاد الدولي للفروسية ضمن المجموعات الإقليمية. تسهم هذه البنية في تنظيم المسابقات المحلية وصوغ لوائح المشاركة والتحكيم، كما تربط الفرسان والأندية ببرامج التأهيل الدولية. إن هذا الارتباط يضمن توافر لغة موحدة للمسابقات، ويسهّل الدعوات والدورات التحكيمية والفنية.

أعداد الخيول والأندية بين الضفة وغزة:

تظهر قواعد بيانات الإحصاء الفلسطيني وجود متغيرات واضحة لأعداد الخيول والدواب ضمن التعدادات الزراعية والمسوح الأسرية.  حيث أنه لا يتم نشر الأرقام النهائية محدثة على نحو دوري للعامة، لكن وفرة المتغيرات في سجلات التعداد تؤكد إدراج الخيول ضمن الإحصاء الحيواني الرسمي. يتيح ذلك تقدير الاتجاهات العامة لأعداد الخيول، وتتبع التغير العام في أعداد الخيول على مستوى المحافظات بمرور الوقت.

تدمير المنشآت والبنية التحتية:

قبل الحرب الأخيرة، سجّل قطاع غزة وجود خمس نوادٍ للفروسية مرخصة رسمياً، تعمل تحت إشراف المجلس الأعلى للشباب والرياضة، إلى جانب إسطبلات صغيرة أهلية. ولكن بحسب ما تؤكده تقارير بحثية حديثة فإن هذه المنشآت قد تعرضت للدمار الكامل خلال الحرب، وذلك يعني خسارة البنية التحتية الأساسية للعبة في القطاع. كما تكشف هذه المعطيات حجم التعطيل الذي أصاب الدورة الرياضية والتعليمية للفروسية في غزة.

صورة من نادي الفروسية الفلسطيني
صورة من نادي الفروسية الفلسطيني

نادي “الجواد” في مدينة غزة:

كان نادي “الجواد” في مدينة غزة مدرسة لتعليم فن قفز الحواجز تخدم العشرات من الخيول والمتدربين في آنٍ معاً. وقد أظهرت تقارير متخصصة أنّ المدرسة ضمّت قرابة ستة وثلاثين حصاناً، وقدمت برامج تدريبية من المستويات التمهيدية حتى منافسات 1.10م قبل تدميرها. بقي المدربون والفرسان يحاولون إنقاذ الخيول وتحصيل الأعلاف، بينما سقطت مرافق التدريب تباعاً. المشهد في الفروسية الفلسطينية _كغيره من مجالات الحياة في غزة المحاصرة_  يقدم مثالاً حياً على الكارثة التي تحدث بفعل الاحتلال الذي يدمر المنشآت والبنية التحتية. ورغم ذلك ما يزال أصحابها يسجلون محاولاتهم في إعادة البناء والاستمرار بالقيتم بدورهم الفاعل في الحياة  كلما سمحت لهم الظروف.

كيف تعاملت الأندية مع الحصار؟

تاريخياً، عرف القطاع أندية واجهت حصاراً طويلاً وقيوداً كثيرة وخانقة على دخول الخيول والمستلزمات البيطرية. ولذا فقد لجأت الأندية القديمة إلى استيراد الخيول عبر الأنفاق قبل أكثر من عقد، فيما شكل ساحل غزة متنفساً لتدريب الفرسان وركوب الخيل للهواة. كانت تلك حلولاً اضطرارية تظهر كيف تتجاوز الفروسية الحواجز حين تغيب سلاسل التوريد الطبيعية.

دعوات لفتح ممرات إنسانية وتقديم الأعلاف:

أثّرت الأزمة الإنسانية التي تعيشها غزة مؤخراً على سلاسل الإمداد الغذائي والبيطري، وقد انعكس ذلك بشكلٍ مباشر على صحة الخيول. حيث حذرت منظمة الأغذية والزراعة من انهيار واسع للقطاع الزراعي وتربية الماشية، ودعت إلى فتح الوصول الإنساني وتقديم الأعلاف على نحو عاجل. وقد نفذت المنظمة برامج لتوزيع الأعلاف في مناطق متعددة من القطاع عامي 2024 و2025، بغرض إنقاذ الثروة الحيوانية وتخفيف آثار الجوع على السكان، وهو تدخل دعم ملاك الخيول بصورة غير مباشرة. إن مثل هذه الجهود تؤكد أن حماية الحيوانات هو جزء من طرق حماية سبل العيش وصحة المجتمع.

تحليلات أممية للواقع الحالي:

إلى جانب ذلك، أظهرت تحليلات أممية ومصادر صحفية تدهور الإنتاج الغذائي وتضرر المزارع، مع نسب كبيرة من الأراضي والبنى التحتية الزراعية المدمرة. وذلك يعني وجود كلفة إضافية ستترتب على أصحاب الخيول، لأن الأعلاف المحلية صارت نادرة، والأسعار ارتفعت بشدة، والبدائل غير متاحة. وبالتالي يصبح الحفاظ على وزن الخيول وصحتها تحدياً يومياً خاصةً مع انقطاع المياه والدواء.

حاجة عاجلة لإسناد القدرات البيطرية في فلسطين:

تظهر دراسات منشورة قبل الحرب وجود تهديدات صحية للأحصنة في فلسطين، منها أمراض طفيلية أو فيروسية تتطلب منظومات رقابة بيطرية مستقرة. فعندما تنهار سلاسل الإمداد والأمان البيئي، تتضاعف المخاطر مع ضعف التحصين وصعوبة متابعة الحالات. وتؤكد أبحاث محلية حول مسببات مرضية مثل “تريبانوسوما إيفانسي” أو مخاطر “غرب النيل” أهمية التشخيص والمعالجة والمتابعة المخبرية، وهي حلقات تتعرض لضغط شديد خلال الحرب. هذه المعطيات تفسر الحاجة العاجلة لإسناد القدرات البيطرية في الأراضي الفلسطينية.

تحتفظ الفروسية بمكانة خاصة بها في الثقافة المحلية الفلسطينية.
تحتفظ الفروسية بمكانة خاصة بها في الثقافة المحلية الفلسطينية.

وسائل الصمود التي ينتهجها الغزيِّون:

يتعامل الفرسان وأصحاب الإسطبلات مع الأزمة عبر طرق متعددة:

  • الطريقة الأولى تتمثل في تقليل الحصص اليومية من العلف وإدخال بدائل متواضعة عند الضرورة، مع الحفاظ على حركة خفيفة تمنع حدوث مغص الدوران وفقدان الكتلة العضلية للحصان.
  • الطريقة الثانية هي نقل الخيول حين تسمح الظروف إلى مناطق أقل تعرضاً للقصف، أو إيوائها في منشآت مؤقتة داخل مزارع خاصة.
  • الحل الثالث هو شبكات الدعم المجتمعي والرقمي التي توثّق الحاجة للأعلاف والأدوية، وتستند إلى تضامن أفراد وجمعيات فروسية حول العالم. فقد ظهرت قصص تعاون دولي صغيرة أسهمت في شراء مستلزمات، وتقديم منحٍ عاجلة للمدربين والخيالة. هذه المبادرات تبدو محدودة، لكنها تحفظ نواة اللعبة إلى حين إعادة البناء.

المستوى المؤسسي للفروسية في غزة وفلسطين:

على المستوى المؤسسي، يندرج قطاع الفروسية ضمن اختصاصات المجلس الأعلى للشباب والرياضة، مع موزانة تشغيلية وتنموية محدودة قياساً بحجم الاحتياج. تظهر بيانات “الموازنة المواطنية” توزيع الإنفاق على برامج الشباب والرياضة، ما يبرز هشاشة التمويل عندما تتداخل الأولويات الإنسانية والأمنية مع المهام الرياضية. يحتاج المشهد إلى شراكات مع اتحادات دولية وهيئات أممية لضمان تعافٍ تدريجي للبنية التحتية الرياضية بعد توقف القتال.

الأندية في الضفة نافذة للاستمرارية:

توفر الضفة الغربية هامش استقرار نسبي للأندية والإسطبلات، فهي تستوعب نشاطات تربية الخيل العربية، وتنظم عروض الجمال ومسابقات القفز. كما تظهر التقارير الصحفية توسع سوق الخيل العربية المسجلة، مع اهتمام متزايد بسلالات تحمل أنساباً موثقة لدى المنظمة العالمية للحصان العربي. يخلق ذلك قاعدة فنية وبشرية يمكن أن ترفد غزة لاحقاً بخبرات وتجهيزات عند انطلاق إعادة الإعمار وإحياء المدارس. تتطلب هذه الرؤية مسارات نقل آمنة للخيول والمعدّات والمدرّبين بين المحافظات.

ماذا يعني التعافي لخيول غزة؟

التعافي الحقيقي يبدأ بإعادة فتح ممرات إنسانية دائمة وتوريد الأعلاف والأدوية وفرق بيطرية متنقلة. تقتضي المرحلة الثانية مسحاً شاملاً للخسائر في الإسطبلات والمضامير ومخازن العلف، مع تحديد المواقع القابلة لإعادة التأهيل بسرعة. كما تظهر تقارير بحثية حديثة نسباً مرتفعة لتدمير البنى الحيوانية في غزة، ما يفرض خطة إنقاذ قطاعية بتمويل متعدد المصادر، وتشبيكاً مع اتحادات الفروسية الإقليمية والدولية. الهدف الواقعي يتركز في إعادة مدارس ركوب وعلاج بالخيول للأطفال، واستعادة فرق القفز تدريجياً.

إنَّ الفروسية في فلسطين تتجاوز الترفيه نحو معنى أعمق يرتبط بالهوية والذاكرة والتمكين النفسي للشباب. الخسائر في غزة كبيرة وتشمل الأندية والمنشآت والخيول، لكن البذور ما زالت موجودة. حيث تشير البيانات إلى قاعدةٍ بشرية وتقنية في الضفة، وإرادةٍ مجتمعية في القطاع تحاول الإبقاء على الخيول حيّة ومصانة. يحتاج هذا الأمر إلى ممرات إغاثة منتظمة، ودعم بيطري، وتمويل لإعادة الإعمار الرياضي. وعند توافر هذه الأمور، يمكن للخيول أن تستعيد مضاميرها، وتستعيد غزة مكاناً آمناً لتدريب الأطفال والشباب على رياضةٍ راسخة في الوجدان الفلسطيني.

المصادر:

the Guardian

inside.fei.org

Horse Network

FAO Home

كيف تساهم الخيول في صمود غزة بوجه الحصار والإبادة؟

فنان سنغالي يتضامن مع غزة على صهوة حصانه

نجم سباقات تعافى وعاد للميدان بعد سنوات كيف حصل ذلك؟

وفاة حصان في سباق ميلبروك يثير التساؤلات من جديد

جمجمة حصان من العصر الجليدي في كندا تذهل الجميع