تأمين الخيول دروس مهمة لمجتمع الفروسية العربي

مع اتساع شعبية رياضات الفروسية وتزايد الاهتمام بتربية الخيول في مختلف أنحاء العالم، تبقى قضية “تأمين الخيل” واحدة من المواضيع الحساسة والمهمة التي لا تحظى بالكثير من النقاش في مجتمعاتنا العربية، رغم أنها ترتبط بشكل مباشر بصحة ورفاهية الخيول، وقدرة ملاكها على توفير العلاج والرعاية اللازمة لها عند الحاجة.

في هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة أُجريت في أستراليا أرقامًا مثيرة للقلق، قد تكون جرس إنذار لكل من يعمل في مجال الفروسية، سواء في الدول الغربية أو العربية. الدراسة التي أعدها “اتحاد الفروسية الأسترالي” بالتعاون مع مؤسسة IER الاستشارية، ركزت على واقع تأمين صحة الخيول، وبيّنت أن النسبة الكبرى من الخيول هناك غير مشمولة بأي نوع من التأمين، وهو أمر يضع المربين في موقف حرج عند حدوث إصابات أو أمراض تتطلب تدخلاً بيطريًا مكلفًا.

ورغم أن هذه الأرقام تخص دولة متقدمة في مجال الفروسية، إلا أن نتائجها وتوصياتها يمكن أن تكون مصدر إلهام للمجتمعات الفروسية العربية التي لا تزال في بدايات التفكير الجاد في موضوع “التأمين الصحي للخيول”.

أقل من 12% فقط من الخيول مؤمّن عليها!

نعم، رغم التقدم الكبير في الخدمات البيطرية والتكنولوجيا المستخدمة في تربية وتدريب الخيول بأستراليا، إلا أن الإحصاءات كشفت عن واقع لا يختلف كثيرًا عمّا نراه في كثير من الدول العربية، بل ربما يكون أسوأ.

التأمين على الخيول من الأمراض

فبحسب الدراسة التي شارك فيها أكثر من 1700 من ملاك ومدربي وعشاق الخيول، فإن أقل من 12% فقط من الخيول هناك تخضع لنظام تأمين صحي يغطي تكاليف العلاج في حالات الإصابة أو المرض. أما النسبة الباقية، فهي تحت رحمة الظروف، والمربّي هو من يتحمّل كامل الأعباء المالية وحده.

وهذا الرقم الصادم يعكس حجم الفجوة بين تطور قطاع الفروسية، وبين آليات الحماية المالية التي يفترض أن تواكبه.

لماذا لا يُؤمّن الناس على خيولهم؟

تساءلت الدراسة عن الأسباب الحقيقية وراء هذا العزوف، وخرجت بنتائج تهم أي مجتمع الفروسية في العالم:

  1. تكاليف الأقساط مرتفعة:

معظم المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى أن تكلفة التأمين لا تتناسب مع دخلهم أو استخدامهم اليومي للخيول، خاصة إذا كانت للترفيه أو الهواية.

2.شروط التأمين غير مرنة:

كثير من وثائق التأمين لا تغطي كل أنواع الإصابات أو الأمراض، كما أن هناك استثناءات كثيرة، ما يجعل المربي يتردد في شراء بوليصة تأمين قد لا تفيده وقت الحاجة.

3.نقص الوعي:

فئة واسعة من أصحاب الخيول لم يكونوا على دراية بأن التأمين البيطري متاح، أو لم يفهموا كيف يعمل أصلًا، مما يسلط الضوء على ضعف الحملات التوعوية.

4.قلة العروض والخيارات: في المناطق الريفية خصوصًا، تندر شركات التأمين المتخصصة بالخيول، ما يجعل الوصول للتأمين أكثر تعقيدًا.

ما هي سلبيات غياب التأمين؟

غياب التأمين لا يعني فقط عبء مالي على المالك، بل هو تهديد مباشر لسلامة الحصان نفسه. فالخيل – كما يعرف كل من له علاقة بالفروسية – قد يتعرض في أي لحظة لإصابة أثناء التمرين، أو التهاب مفاجئ، أو حتى عارض بسيط يمكن أن يتفاقم إذا لم يُعالج فورًا.

وبسبب التكاليف المرتفعة للرعاية البيطرية، قد يجد المربي نفسه مضطرًا لتأجيل العلاج، أو في حالات مؤلمة، اتخاذ قرار بالقتل الرحيم لتفادي تكاليف لا يمكن تحمّلها. وهي قرارات لا يتخذها المربّون عن قسوة، بل عن عجز.

ومن هنا، تقول المديرة العامة لاتحاد الفروسية الأسترالي، “آلان نورهام”:
عدم وجود تأمين يعقّد قرارات الرعاية البيطرية، وقد يضطر البعض للتخلي عن خيولهم رغم رغبتهم في علاجها. وهذا واقع يجب أن يتغير.”

كيف هو حال التأمين في عالمنا العربي؟

رغم غياب إحصاءات دقيقة حول عدد الخيول المؤمّن عليها في العالم العربي، إلا أن المشهد العام لا يختلف كثيرًا عما ذكرته الدراسة الأسترالية، بل ربما يكون أكثر تعقيدًا، لعدة أسباب:

  • قلة شركات التأمين التي تقدم تغطية للخيول.
  • ضعف الثقافة التأمينية بشكل عام، سواء عند الهواة أو المحترفين.
  • انخفاض عدد الأطباء البيطريين المتخصصين في بعض المناطق.
  • غياب قوانين واضحة تدعم تأمين الخيول أو تحفّز عليه.

وفي المقابل، نجد أن هناك بعض المبادرات الفردية أو المؤسسية في الخليج مثلًا، بدأت تتجه نحو اعتماد التأمين كخدمة مرافقة لتسجيل الخيول أو مشاركتها في السباقات.

توصيات يمكن الاستفادة منها عربيًا:

الدراسة الأسترالية لم تكتفِ بعرض الأرقام، بل قدّمت خطة عمل يمكن تعميمها أو الاستفادة منها، وهي تشمل:

  1. تطوير منتجات تأمينية مرنة ومنخفضة التكلفة، تُراعي واقع المربين الهواة وصغار الملاك.
  2. إطلاق حملات توعوية تشرح أهمية التأمين الصحي للخيول، وآلية عمله.
  3. تشجيع شركات التأمين على دخول هذا المجال، عبر شراكات مع الاتحادات الفروسية والجهات الحكومية.
  4. تقديم حوافز ضريبية أو دعم مالي لأصحاب الخيول الذين يؤمّنون عليها، كما يحصل في بعض دول أوروبا.
  5. إشراك أصحاب الخيول في تصميم بوليصات التأمين، لتكون واقعية وتعكس احتياجاتهم اليومية.

قصص من الواقع:

“ميغان”، سيدة أسترالية تمتلك حصانًا واحدًا للركوب الترفيهي، قالت:
“عندما مرض حصاني فجأة، لم يكن لدي تأمين. تكلفة العلاج كانت باهظة، واضطررت لطلب المساعدة من أصدقائي. لو كنت أعرف أهمية التأمين، لكان الوضع مختلفًا.”

أما “أندرو”، مدرب خيول سباق محترف، فقال:
نحن في عالم السباقات نعتبر التأمين ضرورة وليس رفاهية. لكن كثير من الناس ما زالوا يجهلون فائدته. لا بد من تغيير هذا التفكير.”

هل آن الأوان للتفكير في تأمين الخيل في العالم العربي؟

الإجابة باختصار: نعم.

فالعالم العربي، برغم ما يملكه من تاريخ عريق مع الفروسية، لا يزال يفتقر إلى نظام شامل يُعنى بتأمين الخيول بطريقة عادلة وعملية. ولأن تكلفة العلاج البيطري في ازدياد مستمر، ولأن الحصان في النهاية روح مكرّمة، يجب التفكير بجدية في تأمينه كما نؤمّن على أنفسنا وسياراتنا.

محاور تحقيق الاستدامة في رياضة الفروسية

وقد تكون الفرصة مواتية الآن لتفعيل هذا الملف، خاصة في ظل تزايد عدد المربين، وارتفاع قيمة الخيول، وتوسع الاهتمام بالفروسية الترفيهية والاحترافية على حد سواء.

فقد أظهرت الدراسة الأسترالية واقعًا صعبًا، لكنه في الوقت ذاته فرصة للتغيير. فغياب التأمين على الخيول لا يعني فقط أزمات مالية، بل هو قضية تمسّ جوهر علاقة الإنسان بالحصان، وتختبر قدرته على توفير حياة كريمة له.

وفي عالمنا العربي، نحن بحاجة إلى نقاش جاد حول هذا الموضوع، والبدء بخطوات بسيطة، مثل التوعية، وتقديم خيارات تأمينية ميسّرة، والتشبيك مع شركات التأمين الكبرى لإطلاق منتجات تأمين صحية متخصصة بالخيول.

فكما نحمي خيولنا بالعلف والماء والرعاية اليومية، ينبغي أن نحميها كذلك من المجهول،ومن فواتير العلاج التي قد تأتي في أسوأ وقت.

المصدر:

Expert guide to horse health insurance and vet fees cover

الخيول الإماراتية تهيمن على كأس دبي العالمي

استخدام المهدئات في تدريبات الخيول يثير القلق في صناعة السباقات

تأثير العناية الصحية على أداء الخيول الرياضية

دراسة تكشف تزامن دقات قلوب البشر والخيول

عودة الخيول إلى العمل في المزارع !!