شهدت إحدى المزارع الأيرلندية حادثة صادمة كادت أن تنتهي بمأساة، بعدما أُصيبت فرس نادرة بأعراض تشبه المغص الحاد، نتيجة تناولها لنبات سام مجهول لدى كثير من الأطباء البيطريين. هذه الحادثة فتحت بابًا واسعًا للحديث عن أهمية الوعي بالنباتات السامة المنتشرة في الحقول، والتي تهدد حياة الخيول بشكل مباشر.
كيف بدأت القصة؟
في خريف عام 2023، وضعت الفرس الأيرلندية “هازل” مهرها الأول في مزرعة “هيل فيو” التابعة للمالكة “ليزا لين”. وبعد أسابيع قليلة فقط من الولادة، بدأت تظهر على الفرس أعراض مرض شديد، شُخّص مبدئيًا كمغص أو داء العشب Grass Sickness، وهي حالة تؤثر على حركة الجهاز الهضمي للخيول.
ورغم خبرة الأطباء البيطريين، فإنهم لم يستطيعوا تحديد السبب الدقيق فورًا، ما استدعى نقل الفرس إلى المستشفى البيطري بشكل عاجل.
تدخل جراحي عاجل لتفريغ المعدة:
خضعت الفرس “هازل” لعملية جراحية في البطن، حيث تبين أن جهازها الهضمي متوقف تمامًا عن الحركة. بدأ الفريق الطبي بسحب كميات كبيرة من السوائل من معدتها كل ساعة، لتفادي انفجارها. وفي هذا التوقيت، تلقت المالكة اتصالًا مفجعًا يطالبها بالاستعداد لوداع الفرس، نظرًا لسوء حالتها.
نبات غير مألوف هو سبب المشكلة:
بشكل غير متوقع، وأثناء تفقد “ليزا” لمحيط الحقل، لاحظت وجود نبات غير مألوف ينمو في المكان. بعد البحث، تبين أنه “الباذنجان الأسود الشرقي” Eastern Black Nightshade، وهو نبات معروف بسمّيته العالية للإنسان والحيوان. نقلت “ليزا” هذه المعلومة إلى الأطباء، الذين قرروا تجربة ترياق يعرف بـ”نيوستيغمين” Neostigmine، والذي يعمل على إعادة تنشيط حركة الجهاز الهضمي.
وخلال ساعات، بدأت حالة “هازل” تتحسن بشكل ملحوظ، وبحلول صباح اليوم التالي، اختفت السوائل من معدتها تمامًا، في مؤشر على استعادة جهازها الهضمي لوظيفته. عندها، أدرك الجميع أن الترياق نجح في إنقاذ حياة الفرس.
تأثير السم وضرورة الفحص الدقيق:
أكدت “ليزا” أن أعراض التسمم بالنبات لم تكن واضحة تمامًا، إذ لم تظهر على “هازل” علامات شائعة مثل اتساع حدقة العين. وقالت إن معظم الأطباء لم يكونوا على دراية بالنبات أو سميته، ما صعّب من عملية التشخيص. كما بينت أن السم يتسبب في شلل حركة الأمعاء، ما يجعله يبدو كحالة مغص عادية أو داء العشب.
إنقاذ المهر وإعادة لم شمل العائلة:
في ذروة الأزمة، تم فصل المهر عن أمه حفاظًا على سلامته، ووضع مع فرس حاضنة. وبعد تحسن حالة “هازل”، عاد المهر إليها ليكملا حياتهما سويًا. وصرحت المالكة بأن الحادثة كانت من أكثر التجارب المروعة في حياتها، وأنها لن تتوقف عن توعية الآخرين بخطورة هذا النبات.
مخاطر الباذنجان الأسود الشرقي على البشر:
لم تقتصر آثار النبات السام على الخيول فقط، إذ كشفت “ليزا” أنها بدأت تشعر بتنميل في يدها اليمنى وخفقان في القلب بعد لمس النبات بيديها العاريتين. ورغم أن الفحوصات الطبية أظهرت أن قلبها سليم، إلا أنها لاحقًا أدركت أن هذه الأعراض كانت نتيجة لتعرضها المباشر للنبات.
منذ ذلك الحين، أصبحت “ليزا” تتعامل مع النبات بحذر شديد، باستخدام القفازات وعدم لمسه مباشرة.
دعوة للتوعية: كم من الخيول تموت بصمت؟
أعربت “ليزا” عن قلقها العميق من احتمال موت العديد من الخيول بسبب هذا النبات السام دون أن يدرك المربون السبب الحقيقي. وشدّدت على أهمية مشاركة القصة لتوعية المزارعين وأصحاب الخيول، مشيرة إلى أن مجرد تجربة دواء بسيط في الوقت المناسب أنقذ حياة الفرس.
وأكدت أن الترياق “نيوستيغمين” يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا إذا استخدم في الوقت المناسب، وأن الأطباء البيطريين يجب أن يضعوا هذا النوع من التسمم ضمن قائمة الاحتمالات عند تشخيص توقف حركة الأمعاء.
رأي الطب البيطري: توسيع دائرة المعرفة:
من جانبها، صرّحت الطبيبة البيطرية “سام كاتس” بأنها لم تكن على دراية بالباذنجان الأسود الشرقي قبل حالة “هازل”. وأوضحت أن الأعراض كانت مشابهة جدًا للمغص، لكن غياب الالتواءات أو الانسدادات في الجراحة دفعهم للتفكير في احتمالات أخرى.
وقالت إن الخيول المصابة بالباذنجانيات السامة قد لا تُظهر الأعراض التقليدية للتسمم، ما يستوجب بحثًا دقيقًا في الحقول عن أي نباتات غير مألوفة.
نباتات أخرى يجب الحذر منها:
يعد الباذنجان الأسود الشرقي من أخطر النباتات التي قد تنمو في الحقول دون أن ينتبه لها المربون. لكنه ليس الوحيد، فهناك نباتات أخرى معروفة بخطورتها على الخيول مثل:
- الراجوورت Ragwort
- الطَقْسُوس Yew
- الدفلى Oleander
- البلوط Oak (في بعض المراحل من نموه)
- اللابورنوم Laburnum
ينبغي لمربي الخيول فحص الحقول دوريًا، خصوصًا بين شهري مايو وأكتوبر، حيث يزدهر نمو النباتات السامة.
توصيات للمربين والمزارعين:
1. افحص الحقول بانتظام بحثًا عن نباتات غير مألوفة.
2. ارتدِ قفازات واقية عند إزالة الأعشاب والنباتات.
3. علّق صورًا توضيحية للنباتات السامة في الحظائر لتوعية العاملين.
4. استشر طبيبًا بيطريًا فور ظهور أعراض غير مبررة على الخيول.
5. احفظ اسم “نيوستيغمين” كخيار علاجي طارئ لحالات شلل الجهاز الهضمي.
6. شارك قصص التسمم مع مجتمع الخيل لتوسيع دائرة الوعي.
كادت مأساة “هازل” أن تمر دون تفسير، لولا يقظة المالكة وإصرارها على إنقاذ فرسها المحبوبة. وتُسلّط هذه القصة الضوء على خطر النباتات السامة في بيئة الخيول، وأهمية الفحص البيئي المستمر، وتعاون الأطباء البيطريين مع المربين لتشخيص الحالات النادرة وإنقاذ الأرواح.
المصادر:
موقع Horse & Hound
منشورات علمية عن نباتات Solanum nigrum (الباذنجان الأسود)
القائمة النهائية لبوابات انطلاق الخيول في النسخة 157 سباق بيلمونت ستيكس
ما الذي يجعل من الدراسة الجامعية بوابتك الذهبية لعالم الخيول؟
كيف تحول الحصان المنغولي المهدد بالانقراض إلى رمز عالمي للحياة البرية؟
Leave a Reply