انتقل الحصان المنغولي “تاخي” من مواجهة خطر الانقراض إلى أن تحول إلى رمز عالمي للحفاظ على الحياة البرية. فقد عادت سلالة نادرة من الخيول البرية إلى الواجهة وذلك بعد جهود إنقاذ استمرت لعدة عقود، إنها خيول “تاخي” المنغولية.
يعرف هذا النوع أيضًا باسم “حصان برزيوالسكي” (Przewalski’s Horse)، وهو يعتبر الحصان البري الوحيد المتبقي في العالم.
بماذا يتميز هذا الحصان؟
اكتشف هذا الحصان الرحالة الروسي نيكولاي برزيوالسكي وذلك عام 1881، ومن هنا جاءت تسميته الغربية. يتميز الحصان بشكل جسم قوي، ورقبة قصيرة، وذيل كثيف، وشعر كثيف على الرقبة، مع لون بني مائل للذهبي.
طول حصان برزيوالسكي يقارب 1.5 متر عند الكتف، ووزنه يصل إلى 300 كيلوغرام، وهذا ما يمنحه ثباتًا وقوة في البيئات القاسية.
موطنه الأصلي وتعرضه للانقراض:
عاش الحصان تاخي في سهول وسط آسيا، خصوصًا بمنغوليا والصين، ضمن بيئة برية منبسطة قليلة الأشجار.
وقد بدأت أعداده تتراجع في بداية القرن العشرين وذلك نتيجة الصيد، وتقلص الموائل، وتغيرات المناخ، وكذلك التنافس مع الماشية المحلية.
بحلول عام 1969، اختفى آخر حصان بري من البرية، لتُعتبر بذلك السلالة منقرضة في الطبيعة رسميًا.
برامج الإكثار أنقذت السلالة من الانقراض:
لحسن الحظ أنقذت برامج الإكثار في الأسر هذه السلالة من الاندثار، إذ احتفظت حدائق الحيوان حول العالم بـ12 حصانًا فقط. وقد أطلقت هذه البرامج جهودًا متواصلة للتكاثر المدروس، مع الحفاظ على التنوع الجيني وتبادل الأفراد بين الحدائق.
وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدأت عمليات إعادة الحصان تاخي إلى البرية تدريجيًا. وقد تركزت عمليات الإطلاق في محمية “هوستاي” بمنغوليا، ومناطق أخرى مثل محمية “تاشين تال” الصحراوية. نجحت هذه الجهود في تحقيق استقرار مجموعات برية من الحصان مجددًا، حيث أن عددها اليوم يتجاوز 800 حصان في الطبيعة.
الحصان تاخي يصل إلى حديقة حيوانات دنفر الأمريكية:
في يونيو 2025، أعلنت حديقة حيوانات دنفر عن استقبال أربعة من خيول تاخي النادرة قادمة إليها من أوروبا. حيث جاء الحصانان “سيمبا” و”تيغر” من ألمانيا، بينما وصلت “غويا” و”تيغرا” من حديقة حيوانات إسبانية.
أُدرجت هذه الخيول ضمن برنامج دولي يديره الاتحاد العالمي لحدائق الحيوان (WAZA) للحفاظ على الأنواع النادرة.
حيث تخضع هذه الخيول الآن لمرحلة تأقلم داخل منشأة خاصة تحاكي بيئتها الأصلية، لتبدأ بعد ذلك بالاندماج مع بقية المجموعة. حيث تسعى الحديقة إلى تكوين قطيع جديد يدعم برامج الإكثار والحفاظ على هذا النوع في أمريكا الشمالية.
أهمية الحصان تاخي في التنوع البيولوجي:
يمثل الحصان تاخي عنصرًا مهمًا في النظام البيئي لمناطق السهوب والبراري في آسيا الوسطى. فهو يساهم في توازن الغطاء النباتي من خلال رعي الأعشاب، مما يقلل من انتشار النباتات الطفيلية. كما أن وجوده ينعش السلسلة الغذائية، ويدعم بقاء الكائنات الأخرى التي تتغذى على بقايا الرعي.
لهذا السبب، تولي منغوليا أهمية كبرى لحماية هذا النوع باعتباره جزءًا من هويتها الطبيعية والثقافية.
الحكومة المنغولية تعمل بالتعاون مع منظمات مثل الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) لمراقبة القطعان في البرية.
دعم حدائق الحيوان ودور التقنيات الحديثة:
حدائق الحيوان العالمية، مثل سان دييغو وبراغ، أسهمت بدور رئيسي في إنقاذ الحصان من الانقراض. استخدمت هذه الحدائق تحليل الحمض النووي لتفادي التزاوج بين الأقارب وضمان التنوع الوراثي. وقد وفّرت أيضًا بيئات محاكية للطبيعة لإعداد الخيول قبل إطلاقها مجددًا في البرية. حيث اعتمدت برامج الإطلاق الحديثة على أجهزة تتبع عبر الأقمار الصناعية لمراقبة تحركات الأحصنة بعد الإطلاق. إذ ساعدت هذه التقنيات في تقييم التهديدات البيئية ووضع خطط حماية طويلة الأمد.
الحصان المنغولي في الثقافة والوعي العام:
يحتل الحصان تاخي مكانة رمزية في الثقافة المنغولية، حيث يمثل رمزًا للحرية والبسالة والتجذر في الأرض. كما يعتمد سكان الريف في منغوليا على الحصان في تنقلاتهم اليومية، كما يظهر في القصص والأساطير الشعبية.
تقام مهرجانات سنوية تحتفي بالحصان، وتشمل عروض ركوب وموسيقى وألعاب تقليدية. تستخدم صور الحصان في المدارس والبرامج البيئية لتوعية الأجيال الجديدة بأهمية الحفاظ عليه.
بفضل هذه الجهود، تحوّل الحصان تاخي من كائن مهدد إلى رمز للنجاح في حماية التنوع البيولوجي.
المواصفات الشكلية والتكيف البيئي:
يندرج الحصان بين الأنواع الصغيرة الحجم، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 1.2 – 1.46 متر عند الكتف. يتمتع بجسد قوي وقصير، ورقبة مستقيمة، وذيل كثيف، وشعر لبدة على الرقبة. لونه يميل بين البني الفاتح والداكن. وهو يمتلك خطوطاً داكنة على الظهر وأرجل مخططة، ما يمنحه مظهراً يشبه الحمار الوحشي. أقدامه قوية وتحمل أظافر سميكة، ما يساعده على التنقل والتكيف.
هذه الصفات شكلت تكيفاً مطلقاً في السهول المنتشرة داخل وسط آسيا.
إعادة إطلاقه في البرية:
بداية أطلقت جهود إعادة التوطين في محميات منغوليا، خاصة “هوستاي”، و”تاشين تال”. وقد نجحت الجهود بإعادة تنويم مجموعات برية، حيث وصل عددها اليوم بأكثر إلى 800 حيوان برّي. في يونيو 2024، جرى إطلاق سبعة خيول تاخي برية جديدة في كازاخستان، بعد نقلها من حدائق أوروبا مثل برلين وبراغ .
دعم الحدائق والتقنيات الحديثة:
حدائق حيوانات مثل سان دييغو وبراغ وفّرت بيئات محمية وتحكم جيني دقيق. وقد حفّزت التداول الوراثي بين الحدائق للحد من التزاوج الداخلي . بالإضافة إلى الاعتماد تقنية “التتبع بالأقمار الصناعية” لمراقبة المحميات البرّية. ساعدت هذه التقنيات في تحسين خطط الحماية وتحديد المواقع المناسبة لإطلاق الأحصنة.
سلوك خيول تاخي:
يعيش الحصان ضمن مجموعات “أفراس-مهرات-قائد” أو يندمج في قطعان شبابية. تستمر روابطهم لمدة سنوات، ثم تنشأ تراتبية واضحة. وهو يتغذى على الأعشاب المختلفة بحسب الفصول:
ربيعاً: يفضل الحشائش الرقيقة كـ Elymus repens وFestuca.
صيفاً: يتوجه نحو Dactylis وTrifolium.
شتاء: يكسر الثلج للوصول إلى تحتها مذاق الأطعمة الشتوية .
أهمية الحصان المنغولي البيئية والثقافية:
- يلعب الحصان تاخي دوراً بيئياً في تعافي السلاسل النباتية وإنتاج التربة.
- يجلب تراثاً ثقافياً غنياً في منغوليا، رمزاً للحرية والنترابة والهوية القومية.
- ترسخ دوره في المهرجانات الشعبية وعروض التراث، ويحظى بالاحتفاء الفني.
يعتبر الحصان تاخي آخر الخيول البرية الحقيقية في العالم. وهو اليوم يعود إلى البرية ونرى تزايداً ملحوظاً في أعداده العالمية. ومع ذلك فهو يبقى مثالاً حياً على قدرة الإنسان على تصحيح أخطاءه التاريخية في حماية الكائنات الحية.
المصادر:
CNN بالعربية – قسم السفر والبيئة
شركة تعالج سرطان الجلد لدى البشر تبدأ بعلاج أورام الخيول
كيف تساهم الخيول في مكافحة الجريمة وحماية المدنيين؟
Leave a Reply