تشهد مدينة تارودانت المغربية في صيف 2025 تزايدًا في الإقبال على عروض التبوريدة التي تنشط السياحة وتعزز التراث. حيث تعد من أبرز فنون الفروسية التقليدية في المغرب. إذ يحرص السكان والزوار على حضور هذه العروض خلال المهرجانات والمواسم المحلية التي تنظمها المنطقة كل عام.
الفانتازيا روح الهوية الثقافية المغربية:
يعكس فن التبوريدة، المعروف أيضًا بـ”الفانتازيا”، روح الهوية الثقافية المغربية، ويجسد ارتباط المغاربة العميق بعاداتهم وتقاليدهم الممتدة عبر قرون. ويبرز هذا الفن الشعبي في مواسم الحصاد والمناسبات الوطنية والدينية، حيث تجتمع فرق الفروسية، المسماة بـ”السربات”، لتقديم عروض جماعية تدمج بين المهارة، التنسيق، والانضباط.
مهرجان التبوريدة بتارودانت:
ينظم الملتقى السنوي لفن التبوريدة بمدينة تارودانت كل صيف، تحت إشراف جمعية مهرجان التبوريدة وإحياء التراث الروداني. ويجري هذا الحدث بشراكة مع جماعة تارودانت، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وعمالة إقليم تارودانت، ومجلس الجهة سوس ماسة، إلى جانب دعم من فعاليات اقتصادية محلية.
يهدف المهرجان إلى خلق فضاء فني واجتماعي يجمع بين الترفيه والحفاظ على التراث. ويمنح هذا الحدث فرصة للجمهور لاكتشاف رمزية الفرس في الثقافة المغربية، إلى جانب تعزيز التواصل الاجتماعي داخل المجتمع المحلي.
تفاصيل العروض وتنظيمها:
يبدأ عرض التبوريدة باصطفاف فرسان السربة تحت قيادة “المقدم”، المسؤول عن التنسيق ومتابعة دقة الأداء. تنطلق الخيول في حركة جماعية منظمة، وتنتهي بإطلاق طلقة نارية موحدة من البنادق التقليدية. تمثل هذه اللحظة ذروة العرض، حيث تُختبر مهارات الفرسان في التنسيق والانضباط.
قبل الانطلاق، يستعرض المقدم أسماء أعضاء السربة، ويحفزهم بالنداء والتشجيع. بعد ذلك، تدخل السربة إلى ساحة العرض وتؤدي تحية للجمهور تُعرف باسم “الهدة” أو “التشويرة”. ثم تعود المجموعة إلى نقطة البداية، وتصطف في خط مستقيم بانتظار إشارة المقدم.
عند الإشارة، تنطلق الخيول في مشهد جماعي متناسق، يظهر خلاله الفرسان قدرتهم على التحكم الدقيق بخيولهم، ويطلقون النيران بشكل متزامن. يعتمد نجاح العرض على دقة التوقيت وتناسق الطلقة الجماعية، التي تعد أبرز مظاهر التبوريدة.
رمزية الزي التقليدي والسلاح:
يرتدي الفرسان أزياء مغربية تقليدية تشمل الجلابة، السلهام، العمامة، والسروال الفضفاض. ويتوشحون بخناجر تقليدية تعرف باسم “الكمية”، ويحملون بنادق تراثية “المكحلة”، المزيّنة بنقوش وأشكال فنية تعمل بالبارود.
يشير عبد العزيز أيت أونجار، رئيس جمعية نواصي الخير للفروسية التقليدية، إلى أن هذه التفاصيل ليست مجرد مظهر خارجي، بل تمثل جانبًا رمزيًا يعكس الأصالة والارتباط بالتراث المغربي. ويضيف أن تجهيز الخيول يتم بعناية خاصة، باستخدام الأقمشة المطرزة واللوازم التقليدية التي تعكس التراث المحلي.
البعد الروحي والمهارات الشبابية:
قبل كل عرض، يقف الفرسان للدعاء طلبًا للبركة والسلامة. تعكس هذه اللحظة أبعادًا روحية متجذرة في هذا الفن، وترمز إلى الاحترام العميق لقيم الفروسية في المجتمع.
يشير أيت أونجار إلى أن تارودانت تضم العديد من الكفاءات الشابة التي ورثت هذا الفن عن الآباء والأجداد، وتعمل على تطويره دون أن تفقد أصالته. يلعب المهرجان دورًا أساسيًا في تمرير هذه المهارات للأجيال الجديدة، ويُعد منصة لتبادل الخبرات وإحياء روح المنافسة الإيجابية بين الفرق المشاركة.
أهمية التبوريدة في المشهد الثقافي المغربي:
تُعرف تارودانت بتاريخها العريق في فنون الفروسية، وتحتضن بانتظام مواسم ومهرجانات مخصصة للتبوريدة. تسهم هذه الفعاليات في تعزيز الترابط الاجتماعي بين السكان، وتمنح الزوار فرصة للاطلاع على جانب حي من الثقافة المغربية.
وقد تم تصنيف فن التبوريدة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو في ديسمبر 2021. يمثل هذا التصنيف اعترافًا دوليًا بقيمة هذا الفن التقليدي، ويؤكد أهميته كعنصر أساسي من عناصر الهوية الثقافية المغربية.
التراث في خدمة التنمية:
تسعى الفعاليات المنظمة لهذا المهرجان إلى ربط التراث الثقافي بالتنمية الاجتماعية. من خلال التبوريدة، يجد الشباب متنفسًا للتعبير عن مهاراتهم، كما يجد المجتمع المحلي في هذا الفن فرصة لتعزيز الروابط والانتماء.
يُعد مهرجان التبوريدة في تارودانت مثالًا ناجحًا على كيفية توظيف التراث لخدمة التنمية، سواء من حيث السياحة الثقافية أو من حيث الحفاظ على الموروث الشعبي. تساهم هذه المبادرات في خلق فرص اقتصادية، وتنشيط الحركة السياحية، وتحفيز الأجيال الجديدة على الاهتمام بفنون الآباء.
يواصل فن التبوريدة إثبات مكانته ضمن أبرز رموز الثقافة المغربية، ويؤكد حضوره القوي في المشهد الفرجوي لتارودانت خلال الصيف. يعكس هذا الفن توازنًا بين الأصالة والتطور، ويقدم نموذجًا حيًا لتوظيف الموروث في خدمة المجتمع والهوية.
المصادر:
وكالة المغرب العربي للأنباء
منظمة اليونسكو
شراكة استراتيجية بين العلا وهيئة الفروسية
أفضل التطبيقات لمحبي الخيول.. كيف تستخدم التكنولوجيا في عالم الفروسية؟
في الفروسية الجزائرية خطة لإحياء التراث وتوسيع القاعدة الشعبية
Leave a Reply