عادت التظاهرات الثقافية والفنية بقوة إلى ولاية سعيدة الجزائرية، مع انطلاق سلسلة من “الوعدات” الشعبية السنوية. وقد استقطبت الفعاليات جمهورًا واسعًا من سكان المناطق الحضرية والريفية، الذين توافدوا للاحتفال بهذا الإرث الثقافي العريق.
حيث شهدت هذه التظاهرات عروضًا فنية وشعبية متنوعة، ركزت على إبراز التراث المحلي الغني بالتقاليد والمظاهر الاحتفالية. وساهمت عروض الفروسية، المصحوبة بإطلاق البارود، في جذب أنظار الحاضرين، خاصة مع مشاركة فرسان يمتطون خيولًا عربية أصيلة.
عروض الفروسية تحاكي مشاهد تراثية:
تحوّلت الساحات العامة إلى مسارح مفتوحة للفن الشعبي والفروسية. وقد قدم الفرسان عروضًا جماعية وفردية تخللتها طلقات بارود متناسقة، رسمت لوحات تراثية تنبض بالحيوية. وتوافقت هذه العروض مع الإيقاعات البدوية، التي أضفت طابعًا احتفاليًا أصيلًا على المكان.
تميّزت الأهازيج الشعبية المصاحبة للفروسية بجاذبيتها، حيث تفاعل معها الجمهور بشكل واسع، ما ساعد في بث الحماس في صفوف المشاركين. وتعد هذه الفعاليات فرصة لتعزيز الشعور بالانتماء لدى أبناء المنطقة، الذين يفتخرون بتاريخ أجدادهم ويحرصون على نقله للأبناء.
الفارس بن عطية سبيح يواصل حمل راية الفروسية
برز الفارس بن عطية سبيح، ابن منطقة زيراون، كأحد أبرز الوجوه المشاركة في عروض الفروسية. ويواصل بن عطية تقاليد والده الحاج قادة بن هداد سبيح، الذي بدوره ورث مهارات الفروسية عن أجداده. وتُعتبر عائلة سبيح من العائلات التي تحافظ على هذا الإرث بكل فخر ووعي.
تؤمن هذه العائلة بأن الفروسية ليست مجرد هواية، بل رسالة ثقافية ومسؤولية مجتمعية تتطلب الالتزام والاستمرارية. وتحرص على تعليم الجيل الجديد أساسيات التعامل مع الخيل، مع التمسك بالتقاليد المرتبطة بالفروسية الجزائرية.
عائلات محلية تسهم في نقل التراث عبر الأجيال:
إلى جانب عائلة سبيح، تلعب عائلات أخرى أدوارًا محورية في الحفاظ على هذا الموروث، مثل عائلة الحاج بقدور وعائلة المنور. ويعمل أفراد هذه العائلات على تدريب أبنائهم على الفروسية، وتنظيم عروض صغيرة محلية لتعزيز المهارات وربط الأبناء بالجذور الثقافية.
وتعرف هذه العائلات بسلوكها الحسن وكرم ضيافتها، خاصة في المناطق الريفية التي تحتضن العروض. ويُضيف حضورهم طابعًا خاصًا للفعاليات، بفضل خبراتهم في تنظيم المواسم وتوجيه الفرسان الشباب.
مشاركة واسعة من فرسان ولايات مجاورة:
استقبلت التظاهرات فرسانًا من ولايات مجاورة مثل معسكر، مستغانم، تيارت وسيدي بلعباس، مما منح النشاط طابعًا وطنيًا. وساهم هذا التنوع في تبادل الخبرات بين الفرسان، وتعزيز أواصر التعاون بين المجتمعات المحلية.
وقد شهدت الفعاليات تنظيم أسواق تقليدية عرضت منتجات محلية، منها الصناعات اليدوية والأطعمة التقليدية، مما ساعد في تنشيط الاقتصاد المحلي. وكذلك استفاد الحرفيون من الإقبال الكبير على هذه الأسواق لتسويق منتجاتهم.
دعم متواصل من مربي الخيول والمؤسسات الثقافية:
يعزز مربي الخيول في ولاية سعيدة من حضور الفروسية الشعبية عبر العناية بالسلالات العربية وتنظيم حصص تدريبية. ويُشكل دعمهم ركيزة أساسية لتطوير هذه الرياضة، وضمان استمراريتها في ظل التحديات الحديثة.
وقد أطلقت بعض الجمعيات الثقافية بالتنسيق مع السلطات المحلية مبادرات لتنظيم التظاهرات بشكل دوري، بهدف توسيع المشاركة وتوثيق العروض. وتسعى هذه الجهود لحماية التراث من الاندثار، وإبراز مقومات الهوية الوطنية المرتبطة بالخيل والفروسية.
الفروسية وسيلة لتعزيز الروابط المجتمعية:
لا تقتصر أهمية هذه التظاهرات على الجانب الثقافي فقط، بل تسهم أيضًا في تعزيز الروابط الاجتماعية داخل المجتمع. وتُعد المناسبات فرصة لتلاقي العائلات وتبادل القصص والذكريات حول أمجاد الفروسية القديمة.
كما تشكل هذه الفعاليات بيئة تعليمية غير رسمية، يكتسب فيها الأطفال مهارات حياتية مثل احترام التقاليد، والعمل الجماعي، والانضباط، من خلال مشاركتهم في التحضيرات أو متابعة العروض.
أهمية الحفاظ على التقاليد في ظل التغيرات:
يشدد المهتمون بالتراث في سعيدة على ضرورة حماية الفروسية الشعبية من الإهمال، مؤكدين أنها تشكل عنصرًا جوهريًا في الهوية الجزائرية. ويقترحون إدراج هذه الفعاليات ضمن البرامج التربوية والثقافية الرسمية لتعزيز الوعي بقيمها.
ويأمل منظمو التظاهرات في توسيع الدعم الرسمي والخاص للأنشطة الفروسية، عبر تخصيص مساحات للتدريب وتوفير الإمكانيات اللوجستية للأندية. ويؤكدون أن الاستثمار في هذا المجال سيعود بالفائدة على المجتمع ثقافيًا وسياحيًا واقتصاديًا.
المصادر :
تقارير صحفية من وكالة الأنباء الجزائرية
بيانات من جمعيات فروسية بولاية سعيدة
التغذية الموسمية للخيل وتكييف النظام الغذائي مع تغيرات الفصول
كيف تساهم الخيول في مكافحة الجريمة وحماية المدنيين؟
مقارنة شاملة بين سلالات الخيول والإبل ومميزاتها واستخداماتها
Leave a Reply