سلالة الخيول الكردية الأحصنة الجبلية التي تحدت الزمن

حين نتحدث عن الخيول الشرقية، غالباً ما يتبادر إلى الذهن الحصان العربي الأصيل أو التركماني المعروف بسرعته وقوته، لكن بين جبال كردستان الوعرة ووديانها العميقة ومرتفعاتها الباردة، نشأت سلالة أخرى لا تقل أصالة وقيمة، وهي سلالة الخيول الكردية. هذه الخيول، التي رافقت الأكراد في رحلاتهم وتنقلاتهم وحروبهم منذ قرون طويلة، تحمل في ملامحها وخصائصها الجبلية روح أرض قاسية وصبورة، وشعبٍ اعتاد على الكفاح والتحدي. إلى أن أصبح الحصان الكردي اليوم رمزًا من رموز الهوية الثقافية الكردية، وموضوعاً مثيراً للباحثين وعشاق الفروسية على حد سواء، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه الحفاظ على نقاء السلالات المحلية أمام موجات التهجين والاندماج مع خيول أخرى.

الأصل التاريخي والجغرافي:

تنتمي الخيول الكردية إلى المناطق الجبلية الممتدة بين شمال العراق وغرب إيران وشرق تركيا وشمال شرق سوريا، وهي مناطق وعرة جعلت من الخيل ضرورة حياتية لا مجرد وسيلة رفاهية.
تشير الدراسات التاريخية إلى أن هذه السلالة ربما تأثرت بالخيول الآشورية والميدية والفارسية القديمة، إذ كانت كردستان تقع على طريق القوافل التجارية والجيوش الغازية. ومع مرور الزمن، طوّر الأكراد نسلاً خاصاً بهم يتميز بقدرته الفائقة على السير في الجبال والتأقلم مع الظروف القاسية.

وقد ذكر بعض الرحالة الأوروبيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وجود خيول كردية قوية تستخدم في نقل البضائع والأسلحة، وتعرف بقدرتها على الصمود في رحلات طويلة دون تعب، وهو ما جعلها محط إعجاب رغم أنها لم تصل إلى الشهرة العالمية كالخيول العربية أو الإنجليزية.

كان الحصان الكردي جزءاً من العادات، حيث يزين في الأعراس والمناسبات
كان الحصان الكردي جزءاً من العادات، حيث يزين في الأعراس والمناسبات

الخصائص الشكلية للخيول الكردية:

تجمع الخيول الكردية بين القوة والرشاقة، ويمكن تمييزها بسهولة من خلال مجموعة من السمات:

  • الحجم والارتفاع: الخيول الكردية متوسطة الارتفاع، يتراوح عادة بين 140 – 150 سم عند الكتف، وهو ما يجعلها مناسبة للطرق الجبلية أكثر من السباقات السريعة.
  • الرأس: متوسط الحجم، ذو جبهة عريضة وخط مستقيم أو مقوس قليلاً في الأنف، يعطي انطباعاً بالقوة.
  • العينان: واسعتان يقظتان تعكسان ذكاءً حاداً.
  • العنق: مستقيم نسبياً، متوسط الطول، مع عضلات واضحة.
  • الجسم: صدر عميق، ظهر قصير متين، وعضلات بارزة خاصة في الأطراف الخلفية.
  • الأطراف: قوية وصلبة، مزودة بحوافر صغيرة نسبياً لكنها قاسية، وهي ميزة ضرورية لعبور الصخور والمنحدرات.
  • الألوان: الأكثر شيوعا الأشقر والكميت والأشهب، بينما يقل ظهور اللون الأسود أو الأبيض النقي في خيول هذه السلالة.

الصفات السلوكية والقدرات المميزة للخيول الكردية:

ما يميز الخيل الكردي ليس شكله فقط، بل شخصيته وقدرته على التحمل حيث يبرز ذلك من خلال ما يلي:

  • التحمل: يستطيع السير ساعات طويلة في مناطق جبلية صعبة، مع استهلاك قليل للطاقة مقارنة بسلالات أخرى.
  • المرونة: يتحرك بسهولة في الطرق الضيقة والمرتفعات، حيث قد تعجز السلالات الضخمة عن فعل ذلك.
  • الشجاعة: يوصف غالبا بأنه حصان لا يخاف، مما جعله رفيقاً مثالياً للفرسان الكرد في المعارك.
  • الطباع: قد يظهر شيئاً من العناد أحياناً لكنه وفي إذا تم التعامل معه بصبر وحكمة.

الأدوار التقليدية للخيول الكردية:

منذ قرون، لعبت الخيول الكردية أدواراً متعددة منها:

1. وسيلة للنقل: استخدمها الأكراد لنقل البضائع عبر الجبال بين القرى والمدن.

2. حصان حرب: اعتمد عليه المقاتلون في المناوشات والمعارك القبلية.

3. الحياة الاجتماعية: كان الحصان الكردي جزءاً من العادات، حيث يزين في الأعراس والمناسبات، ويرافق صاحبه في مواسم الاحتفالات.

أما اليوم فقد تغيرت أدوارها، لكنها لا تزال تحتفظ بمكانتها في أنشطة أخرى منها:

  • سباقات محلية في كردستان العراق وإيران.
  • مسابقات التحمل والفروسية الجبلية.
  • العروض التراثية التي تهدف لإبراز الهوية الثقافية الكردية.
  • الصحة والقدرة على التكيف.

تعتبر الخيول الكردية من أكثر السلالات مقاومة للأمراض، ويرجع ذلك إلى قسوة البيئة التي شكلت مناعتها الطبيعية. فهي تتحمل نقص الغذاء، وقادرة على العيش على أعلاف فقيرة مقارنة بما تحتاجه السلالات الغربية. كما أن جهازها التنفسي القوي يساعدها على الحركة في المرتفعات.

لكن في المقابل، تعاني هذه السلالة اليوم من تهديدات أهمها:

  • التهجين غير المدروس مع سلالات أخرى مثل العربية أو التركمانية.
  • قلة برامج التوثيق الرسمية التي تحفظ أنسابها.
  • تراجع أعداد المربين التقليديين الذين يهتمون بالحفاظ عليها نقية.

البعد الثقافي والرمزي للحصان الكردي:

في الثقافة الكردية، الحصان ليس مجرد وسيلة، بل هو رمزٌ للشرف والكرامة والحرية. كثير من الأغاني والأشعار الشعبية تصف الحصان الكردي بالوفاء، وتربطه بصورة الفارس الشجاع الذي لا يهاب الموت.
حتى اليوم، ما زالت بعض القبائل ترى في امتلاك حصان أصيل علامة من علامات الفخر، وتقام مسابقات خاصة لاستعراض جمال وقوة هذه الخيول.

خطوات تزيين الحصان للعروض والمناسبات

مستقبل السلالة والحفاظ عليها:

أمام هذه السلالة تحديات كبيرة تتطلب حلولا ً عملية، منها:

  • إنشاء سجلات أنساب رسمية لتوثيق الخيول الكردية النقية.
  • إطلاق برامج دعم حكومية أو أهلية لتشجيع المربين المحليين.
  • التعاون مع مراكز أبحاث الفروسية في المنطقة وخارجها لدراسة خصائص السلالة بيولوجياً وجينياً.
  • تنظيم مهرجانات دولية تسلط الضوء على الحصان الكردي، الأمر الذي يعزز قيمته في سوق الفروسية العالمية.

إن سلالة الخيول الكردية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل شاهد حي على قدرة الطبيعة والثقافة معاً على تشكيل كائنٍ يجمع بين القوة والجمال والرمزية. فكما تحدى الأكراد عبر تاريخهم ظروف الجبال والصراعات، تحدى حصانهم أيضاً قسوة البيئة وبقي صامداً.
إن الحفاظ على هذه السلالة هو في جوهره حفاظ على جزء من الهوية الإنسانية والتراث الإنساني، لأن الخيل لم يكن يوماً مجرد وسيلة ركوب، بل هو يجسد لغة من لغات الروح، وجسرًا بين الإنسان والطبيعة والتاريخ.

المصادر:

Gladney, D. (1992). The Horse in the Middle East: History and Cultural Significance.

Kölher-Rollefson, I. (2002). Indigenous Horse Breeds and Their Conservation in West Asia

السيلينيوم: حجر الزاوية في صحة الخيول عبر جميع المراحل

الفروسية في فلسطين خيول تصمد وأندية تبحث عن البقاء

الدوري اللبناني للفروسية 2025 بين المنافسة والتألق في أحدث جولاته

مدرسة تشاتام هول تقدم تجربة متكاملة للفرسان الطموحين

اتحاد الفروسية يعتمد الأطقم الفنية والتحكيمية للأولمبياد الخاص في العين