تعاني الفروسية الجزائرية من تراجع مستمر منذ أكثر من 15 سنة، حيث شهدت هذه الرياضة الشعبية انخفاضًا كبيرًا في عدد ممارسيها ومنخرطيها. يعود السبب إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تواجه الفرسان ومربّي الخيول، بالإضافة إلى غياب الدعم المؤسسي والترويج الكافي لاختصاصات الفروسية العصرية والتراثية على حد سواء. هذا الانحدار انعكس سلبًا على الأداء الجزائري في المنافسات القارية والدولية، ما جعل إنقاذ الفروسية قضية ملحة لدى المهتمين بهذا الموروث العريق.
غير أن انتخاب مكتب مسير جديد للاتحادية الجزائرية للفروسية في مارس الماضي، أعاد الأمل لمحبي الفروسية في الداخل والخارج، حيث أعلن الرئيس الجديد فوزي صحراوي وأعضاء مكتبه عن خطة طموحة لإعادة الفروسية الجزائرية إلى أمجادها، من خلال خارطة طريق شاملة أعدها مختصون في المجال.
أولى الخطوات: تعزيز القاعدة الشعبية وتوسيع الانخراطات
في ندوة صحفية عقدها رئيس الاتحادية خلال انطلاق مهرجان “سيرتا” للفروسية بقسنطينة، كشف عن أولى النجاحات المحققة، مثل انضمام رابطة ولاية تمنراست لأول مرة إلى الاتحاد، وهو ما يعد مؤشراً إيجابياً على انتشار الفروسية نحو الجنوب. وتعمل الاتحادية على تنفيذ برنامج يشمل تنظيم دورات وتجمعات تدريبية في ولايات مثل ورقلة ثم تعميمها في عمق الجنوب، بهدف تأسيس أندية جديدة وبعث ثقافة الفروسية في المناطق الصحراوية.

وأشار صحراوي إلى التراجع الكبير في عدد المنخرطين في الاتحادية، حيث انخفض من 20 ألف ممارس سنة 2014 إلى 1800 فقط، نتيجة لتراكم الأزمات، وخاصة بعد فترة العشرية السوداء. وتهدف المهرجانات مثل “سيرتا” إلى إعادة الحياة إلى هذه الرياضة الشعبية وتحفيز العودة الجماعية لممارستها.
اختصاصات جديدة تجمع بين الرياضة والعلاج:
لم تكتف الاتحادية بإعادة بعث الفروع التقليدية، بل أعلنت عن تبني اختصاصات جديدة تجمع بين الجانب الرياضي والاجتماعي. من أبرزها، إدراج العلاج بالحصان كوسيلة للتعامل مع حالات التوحد، وهو أسلوب مستخدم في أوروبا منذ عقود. ويرى صحراوي أن العلاقة بين الإنسان والحصان تفتح آفاقًا كبيرة للعلاج، وهو ما يجعل هذا التوجه جديرًا بالاهتمام والتعميم على المستوى الوطني.
كما تم إطلاق مسابقة جمال الحصان البربري والحصان البربري العربي لأول مرة في “سيرتا”، إلى جانب مسابقات للفروسية المدرسية والجامعية، وهو توجّه يرمي إلى غرس حب هذه الرياضة في نفوس الأجيال الصاعدة.
“الفانتازيا” وتراث الفروسية يعودان للمنافسة المنظمة:
حرصت الاتحادية الجديدة على تحويل اختصاص “الفانتازيا” من نشاط عشوائي إلى رياضة مؤطرة. تخضع لقوانين وتحكيم دقيق. شارك في مهرجان “سيرتا” حوالي 350 فارسًا في عروض الفانتازيا, ما يعكس الشعبية الواسعة لهذا التراث. كما تم تنظيم أول مسابقة لرفع الأوتاد في شمال إفريقيا، بمشاركة أكثر من 100 فارس، إلى جانب مسابقة وطنية في القدرة والتحمل.
كل هذه الفروع تعكس رغبة الاتحادية في إعطاء فرصة لكل أنواع الفروسية، العصرية منها والتراثية، لتكون جزءًا من خطة وطنية للإنقاذ الرياضي والثقافي.

تسهيل الفروسية للطبقة المتوسطة وتوسيع قاعدة المنافسة:
واحدة من أبرز أهداف المكتب الحالي هو كسر الصورة النمطية التي تربط الفروسية بالأثرياء فقط. أكد صحراوي أن الاتحادية تسعى إلى إعادة بعث البطولة الوطنية بعد توقف دام أكثر من 15 سنة، باستخدام أحصنة بربرية محلية منخفضة التكلفة. هذا التوجّه يشجّع المربين المحليين على مضاعفة الإنتاج ويدعم العائلات المتوسطة الدخل على المشاركة.
كما أثنى رئيس الاتحادية على دعم الدولة لتربية الخيول، خاصة في ما يخص أسعار الأعلاف مثل الشعير، حيث تم تخفيض سعر العلبة إلى 25 دينارًا بدلًا من 45، رغم التحديات الاقتصادية وارتفاع الأسعار عالميًا.
طموحات دولية وهدف المشاركة العالمية:
من بين أبرز أهداف الاتحادية الجديدة، تحقيق نتائج مشرفة على الساحة الدولية. وتركز الخطة على اختصاص القفز على الحواجز، تحضيرًا لمشاركة المنتخب في ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقبلة في إيطاليا. وتعمل الاتحادية على اختيار النخبة الوطنية من خلال مشاركتهم في تجمعات وملتقيات فنية ورياضية، في محاولة جادة لبناء فريق قادر على التألق عالميًا.
كذلك، تستعد الجزائر للمشاركة لأول مرة في الألعاب الإفريقية المدرسية، المزمع إقامتها في سكيكدة صيف 2026، ما يعكس التوجّه نحو ترسيخ الفروسية في المدارس وتعزيز القاعدة الشبابية.
كلمة “تحدي” تلخص المهمة الصعبة:
المكلّف بالإعلام في الاتحادية، بوعشة رابح، أكد أن كلمة “تحدي” كانت الخيار الأمثل لتعكس حجم المهمة الملقاة على عاتق المكتب الجديد. فبرأيه، 4 سنوات غير كافية لتحقيق نهضة شاملة، لكن المكتب يعتمد على تفعيل اللجان المتخصصة والمتطوعين، إلى جانب سياسة ترشيد النفقات.
وقد أوضح أن الخطة الموضوعة تشمل ثلاث مراحل: الأولى، إعادة إدماج المسابقات الوطنية والاهتمام بسلالات الخيول المحلية. الثانية، التوسع نحو المشاركات القارية والدولية، مع استثمار منشآت الاتحاد في قسنطينة، تيبازة، وهران، ومستغانم. أما الثالثة، فتشمل إنتاج مواد بصرية وتوثيقية بجودة عالية لعرضها على المؤسسات الإعلامية للحصول على دعم مادي ومعنوي.
إشادة محلية ودولية بنجاح مهرجان “سيرتا”:
رئيس اللجنة التقنية للفانتازيا، محمود كحايري، قال إن الفروسية رياضة تعكس الهوية الجزائرية، وتملك القدرة على جذب جميع الأعمار والشرائح الاجتماعية. ورغم الظروف الصعبة التي عرفتها في السابق، فإن الاتحادية الجديدة تسعى بجدية لإعادة بعثها كموروث ثقافي وسياحي واقتصادي.
من جانبه، عبّر مندوب الهيئة الليبية للفروسية الشعبية، خميس أحمد رضا، عن سعادته بالتطور الكبير في الفروسية الجزائرية، وخاصة من خلال ما شهده في مهرجان “سيرتا”، مشيرًا إلى أن الأجواء والتنظيم كانا يفوقان التوقعات.
تشهد الفروسية الجزائرية بداية جديدة، ترتكز على العمل القاعدي، والانفتاح على كل الولايات، وتطوير اختصاصات عصرية واجتماعية، في وقت تسعى فيه الاتحادية إلى إعادة مكانة هذه الرياضة الأصيلة في الداخل والخارج. وبين الطموحات والتحديات، تبقى كلمة السر: الاستمرارية والإرادة الجماعية.
المصدر:
annasronline.com
معرض ديفون للخيول يجمع نجوم الفروسية من كل العالم
بيل غيتس يدعم شغف ابنته بجو خيالي لرياضة الفروسية
سباق بريكنس ستيكس للخيول ثاني جولات التاج الأمريكي





Leave a Reply